كلما أطعْنا رغباتنا، و لم نضَعْها تحت أضواء الوعي والإدراك، تَحكَّمتْ فينا وحوشُها،وأذلَّتْنا لإشباعها.وقَطْعاً ليس بالإشباع والسلامِ العميق الذي نريدُه،فَحالَما نشبِع رغبةً ما،تَظهرُ رغبةٌ أخرى أشرسُ منها وأعتى.فالإشباع عابرٌ،وغالباً ما يَترُكُنا أكثرَ جُوعاً ممَّا كُنا عليه من قبلُ، وذلك لأن الحياة ما هي إلا سلسلة رغبات لا نهائية،تُطَوِّقُنا،وتَخلُق فينا ألواناً من الإدمان مُريبةً،ومن ثَمَّة نُصْبِح عبيدا لرغباتنا، حين يزيد إرضاؤنا لها
فأَلجِمْ رغباتك،واتَّخذْها نَعْلاً،ولا تَدَعْها تتخذْك مَطيةً،ولْتَكُنْ لك قُدرة عُليا على معرفة الحاجات الطبيعية والبسيطة عند ظهورها،وعلى تلبيتها بما لا يزيد أُوارَها
ففصلُ الحاجة عن الرغبة هو الذي يُبَيِّن لنا معنى الإنسان السويِّ فينا، وذلك لأن العديدَ من رغباتنا لا علاقة له بحاجاتنا،وإنما بأوهامنا المُعشِبَة على الدوام.فالرغباتُ نارٌ تَحلُمُ فينا،والحاجات ماءٌ يَصْعَدُ بوجودنا إلى أفُق الكينونة الصافية
وأيّاً يكنْ زمنُك،فأنت نباتُه، وقد تَعْلَقُ في الحياة بموقفٍ ما مُحَيِّرٍ،وتتساءل ما إذا كان جرَسُ وعيِك سيدقُّ من جديد،وما إذا كان ذلك الموقفُ سينتهي بك في هاويةٍ،أو سيرفعك إلى قِمَّةٍ،فلا تَقِفْ فوقَ حَبْل الحيرة مُرتبِكاً،وامْضِ حيثُ يقودُك نورُ حَدسِك،فالحدسُ هو بوصَلةُ الذات.إذْ كثيراً ما نكُون أحيانا عالقين إلى حدِّ أننا نشعر أن جَرَس وعينا قد صمتَ،وأصابه الخرسُ،وأننا بين فكَّيْ مِحنَةٍ ستُمزِّق عُمُرَنا كله،فيُغرِقُنا اليأسُ اللزِجُ الأسودُ،ونكاد نَهْوِي ،فإذا الجرس يَدقُّ،وفي دقَّاته ضوءٌ صاعدٌ من الأعماق ،يُبَصِّرُنا بالمَخْرَجِ
ولا شك أنه كلما تَناغَمَ دَاخِلُنَا مع خارجِنا أَمْكَنَنا ذلك من تحويل العالم إلى مكانٍ ينمو فيه الجميعُ ويزدهرُ،وإلى تحَوُّلِنا نحن إلى عقولٍ تَفهم أنَّ كل كائنٍ أَمامَها ليس سوى جزء آخرَ منها.فالكونُ في جوهره ما هو إلا ذاتٌ واحدة،تَمَظْهَرَتْ في عِدَّة تَجلِّياتٍ،فنحْنُ لا نَجذب كائنا مَا إلينا إلا لنرى فيه أنفسَنا بشكل أفضل،ولا نرفض فيه إلا ما كنا نرفضه في أنفسنا،ونختبئُ منه خوفاً من الذِّلَّة والشماتة
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.